فصل: إجازة الواثق محمد بن أبي الفضل ابن السلطان أبي الحسن من الأندلس والبيعة له.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.نكبة الوزير محمد بن عثمان ومقتله:

أصل هذا الوزير محمد بن الكاس إحدى بطون بني ورتاجن وكان بنو عبد الحق عندما تأثلوا ملكهم بالمغرب يستعملون منهم في الوزارة وربما وقعت بينهم هنالك وبين بني إدربس وبني عبد الله منافسة قتلوا فما بعض بني الكاس منهم في دولة السلطان أبي سعيد وابنه أبي الحسن ثم استوزره السلطان أبو الحسن بعد مهلك وزيره يحيى بن طلحة ابن محلى بمكانه من حصار تلمسان وقام بوزارته أياما وحضر معه وقعة طريف سنة إحدى وأربعين وسبعمائة من هذه المائة واستشهد فيها ونشأ ابنه أبو بكر في ظل الدولة ممتعا بحسن الكفالة وسعة الرزق وكانت أمه أم ولد وخلفه عليها ابن عمه محمد بن عثمان هذا الوزير فنشأ أبو بكر في حجره وكان أعلى رتبة منه بأولية أبيه وسلفه حتى إذا بلغ أشده واستوى سمت به الحال وجال أمصار الملوك في اختياره وترشيحه حتى استوزره السلطان عبد العزيز كما قلناه وقام بوزارته أحسن قيام وأصبح محمد بن عثمان هذا رديفه.
وهلك السلطان عبد العزيز فنصب أبو بكر ابنه السعيد للملك صبيا لم يثغر وكان من انتقاض أمره وحصاره بالبلد الجديد واستيلاء السلطان أبي العباس عليه ما قدمناه قام محمد بن عثمان بوزارة السلطان أبي العباس مستبدا عليه ودفع إليه أمور ملكه وشغل بلذاته فقام محمد بن عثمان بوزارة السلطان أبي العباس من أمور الدولة ما عاناه حتى كان من استيلاء السلطان موسى على دار ملكهم ما مر وانفض بنو مرين عنه للسلطان أبي العباس كما ذكرناه ورجع إلى تازى فدخلها السلطان أبو العباس وفارقهم محمد بن عثمان إلى ولي الدولة ونزمار بن عريف وهو مقيم بتازي وتذمم له فتجهم له ونزمار وأعرض عنه فسار معدا إلى أحياه المنيات من عرب المعقل كانوا هنالك قبلة تازى لذمة صحابة كانت بينه وبين شيخهم أحمد ابن عبو فنزل عليه متذمما به فخادعه وبعث بخبره إلى السلطان فجهز إليه عسكرا مع المزوار عبد الواحد بن محمد بن عبو بن قاسم بن ورزوق بن بومريطت والحسن العوفي من الموالي فتبرأ منه العرب وأسلموه إليه فجاءوا به وأشهروه يوم دخوله إلى فاس واعتقل أياما وامتحن في سبيل المصادرة ثم استصفى ثم قتل ذبحا بمحبسه والله وارث الأرض ومن عليها.

.الخبر عن خروج الحسن بن الناصر بغمارة ونهوض الوزير ابن ماسي إليه بالعساكر:

لما استقل السلطان موسى بملك المغرب وقام مسعود بن ماسي بوزارته مستبدا عليه وكان من تغريبهم السلطان أبا العباس إلى الأندلس وقتلهم وزيره محمد بن عثمان وافتراق أشياع الوزير محمد بن عثمان وقرابته وبطانته فطلبوا بطن الأرض ولحق منهم ابن أخيه العباس بن المقداد بتونس فوجد هنالك الحسن بن الناصر ابن السلطان أبي علي قد لحق بها من مقره بالأندلس في سبيل طلب الملك فثاب له رأي في الرجوع به إلى المغرب لطلب الأمر هنالك فخرج به من تونس وقطع المفاوز ولمشاق إلى أن انتهى إلى جبل غمارة ونزل على أهل الصفيحة منهم فأكرموا مثواه وتلقيه وأعلنوا بالقيام بدعوته واستوزر العباس بن المقداد وبلغ الخبر إلى مسعود ابن ماسي فجهز العساكر مع أخيه مهدي بن ماسي فحاصره بجبل الصفيحة أياما وامتنع عليهم فتجهز الوزير مسعود بن ماسي بالعساكر من دار الملك وسار لحصاره ثم رجع من طريقه لما بلغه من وفاة السلطان بعد والله أعلم.

.وفاة السلطان موسى والبيعة للمنتصر ابن السلطان أبي العباس.

كان السلطان موسى لما استقل بملك المغرب استنكف من استبداد ابن ماسي عليه وداخل بطانته في الفتك به وأكثر ما كان يفاوض في ذلك كاتبه وخالصته محمد ابن كاتب أبيه وخالصته محمد بن أبي عمر وكان للسلطان مرسى ندمان يطلعهم كل الكثير من أموره منهم العباس بن عمر بن عثمان الوسناقي وكان الوزير مسعود بن ماسي قد خلف أبا عمر كل أمه وربي في حجر فكان يدلي إليه بذلك وينهى أبيه ما يدور في مجلس السلطان في شأنه فحصلت للوزير بذلك نفرة طلب لأجلها البعد عن السلطان وبادر للخروج لمدافعة الحسن القائم بغمارة واستخلف على دار الملك أخاه يعيش بن رحو بن ماسي فلما انتهى إلى القصر الكبير لحقه الخبر بوفاة السلطان موسى وكانت وفاته في جمادى الآخرة طرته المرض فهلك ليوم وليلة لثلاث سنين من خلافته وكان الناس يرمرن يعيش أخا الوزير بأنه سمه وبادر يعيش فنصب ابن عمه للملك وهو المنتصر ابن السلطان أبي العباس وانكفأ راجعا لوزير مسعود من القصر وقتل السبيع محمد بن موسى في طبقة الوزراء وقد مر ذكره وذكر قومه وكان اعتقله أيام السلطان موسى فقتله بعد وفاته واستمرت أمور الدولة في استقلاله والله أعلم.

.إجازة الواثق محمد بن أبي الفضل ابن السلطان أبي الحسن من الأندلس والبيعة له.

كان الوزير مسعود بن ماسي لما استوحش من السلطان موسى بعث ابنه يحيى وعبد الواحد المزوار إلى السلطان ابن الأحمر يسأل منه إعادة السلطان أبي العباس إلى ملكه فأخرجه ابن الأحمر من الاعتقال وجاء به إلى جبل الفتح يروم إجازته إلى العدوة فلما توفي السلطان موسى بدا للوزير مسعود في أمره ودس للسلطان ابن الأحمر في رده وأن يبعث إليه بالواثق محمد بن أبي الفضل ابن السلطان أبي الحسن من القرابة المقيمين عنده ورآه أليق بالاستبداد والحجر فأسعفه ابن الأحمر في ذلك ورد السلطان أحمد إلى مكانه بالحمراء وجاء بالواثق فحضر بجبل الفتح عنده وفي خلال ذلك وصل جماعة من أهل الدولة وانتقضوا على الوزير مسعود ولحقوا بسبتة وأجازوا إلى السلطان ابن الأحمر وهم يعيش بن علي بن فارس الياباني وسيور بن يحيى بن عمر الونكاسني وأحمد بن محمد الصبيحي فوفد إليهم الواثق ورجعوا به إلى المغرب على أنهم في خدمة الوزير حتى إذا انتهوا إلى جبل زرهون المطل على مكناسة أظهروا الخلاف على الوزير وصعدوا إلى قبائل زرهون واعتصموا بجبلهم ولحق بهم من كان كل مثل دينهم من الخلاف على ابن ماسي وصاروا معهم يدا مثل طلحة بن الزبير الورتاجنى وسيور بن يحياتن بن عمر الونكاسني ومحمد التونسي من بنى أبي الطلاق وفارح بن مهدي من معلوجي السلطان وأصله من موالي بنى زيان ملوك تلمسان.
وكان أحمد بن محمد الصبيحي حين جاه مع الواثق قد استطال عل أصحابه وأصهر الاستبداد بما كان من طائفة الجند المستخدمين فغص به أهل الدولة وتبرؤا منه للسلطان الواثق فأظهر لهم البراءة منه فوثبوا به وقتلوه عند خيمة السلطان وتولى كبر ذلك يعيش بن علي بن فارس الياباني كبير بني مرين فذهب مثلا في الغابرين ولم تبك عليه سماء ولا أرض وكان رزوق بن بوفريطت من موالي بنى علي بن زيان من شيوخ بنى ونكاسن من أعيان الدولة ومقدمي الجند قد انتقض على الدولة أيام السلطان موسى ولحق بأحياء أولاد حسين من عرب المعقل المخالفين منذ أيام السلطان موسى ونزل على شيخهم يوسف بن كل بن غانم لذمة صحابة بينهما من جوارهم في المواطن وكان معه في ذلك محمد بن يوسف بن علال كان أبوه يوسف من صنائع السلطان أبي الحسن ونشأة دولته استوحشا من الوزير فلحقا بالعرب فلما جاء هذا السلطان الواثق قدما عليه فلقيهما بالتكرمة وأحلهما في مقامهما من الدولة وخرج الوزير مسعود بن ماسي في العساكر ونزل قبائلهم بجبل مغيلة وقاتلهم هنالك أياما وداخل الذين مع الواثق واستمالهم وبعث عسكرا إلى مكناسة فحاصروها وكان بها يومئذ عبد الحق بن الحسن بن يوسف الورتاجني فاستنفر له منها وملكها وترددت المراسلات بينه وبين الواثق وأصحابه على أن ينصبوه للأمر ويبعث بالمنتصر المنصوب عنده إلى أبيه السلطان أبي العباس بالأندلس وانعقد الأمر بينهم على ذلك وسار الواثق في أصحابه إلى الوزير ابن ماساي فنزل عليه مضى يعيش بن علي بن فارس عنهم ذاهبا لوجهه وسار الوزير بالواثق إلى دار الملك فبايعه في شوال سنة ثمان وثمانين وسبعمائه بعد أن اشترط عليه لنفسه وأصحابه ما شاء وأجاز سلطانه المنتصر إلى أبيه السلطان أبي العباس بالأندلس وقبض على جماعة ممن كان مع الواثق مثل المزوار عبد الواحد وقتله وعلى فارح بن مهدي وحبسه وعلى الخير مولى الأمير عبد الرحمن وامتحنه وعلى آخرين سواهم ثم قبض على جماعة من بطانة السلطان موسى كانوا يداخلونه في القبض والفتك به فحبسهم وقتل بعضهم وعلى جند الأندلس الذين جاءوا مددا للواثق وعلى قوادهم من معلوجي ابن الأحمر فأودعهم السجن ثم تقبض على كاتب السلطان مرسى بن أبي الفضل بن أبي عمر مرجعه من السفارة عن سلطانه إلى الأندلس فاعتقله وصادره ثم خلى سبيله ثم بعث إلى الحسن بن الناصر الثائر بجبل الصفيحة من غمارة مع إدريس بن موسى بن يوسف الياباني فخادعه بإستدعائه للملك والبيعة له فخدعه واستنزله وجاء به فاعتقله أياما ثم أجازه للأندلس واستقر الأمر على ذلك والله أعلم.